/ الفَائِدَةُ : (157) /

05/08/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / نُكْتَة عدم استيعاب عقول المخلوقات لشؤون أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ / إِنَّه لَـمَّا كانت هذه الْمَعَارِف الإِلٰهيَّة بكراً لم تُفتق من قبل قَطُّ بهذا الشَّكل والبيان الموجود في سلسلة الْمَعَارِف الْإِلَهِيَّة هذه ، ولم يُنبس بها ببنت شفة ـ مع أَنَّ بيانات الوحي زاخرة بها ـ فمن الطبيعي يحصل فيها توقُّف وتردُّد لدىٰ مَنْ يُخبر من ضعيفيِّ الإِيمان بمقاماتهم ( صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) وبصفاتهم وأَسمائهم وكمالاتهم وفضائلهم وشؤونهم وأَحوالهم ؛ وإِنْ قام عليها الدَّليل القطعي . مضافاً: أَنَّ ما جادت به يد ساحة القدس الإِلٰهيَّة على أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عطايا لا تتحمَّل تصوُّرها طاقة وقابليَّة مخلوق قَطُّ ، ولا يمكن خطورها على بالٍ قَطُّ فمن الطبيعي أَيضاً حصول توقُّف وتردُّد لدىٰ من يطَّلع عليها من ضعيفيِّ الإِيمان أَو يُخبر بها وإِنْ قام عليها الدَّليل القطعي . بعد الْاِلْتِفَات : أَنَّ لازم ذلك التوقُّف والشَّكّ والتردُّد : إِلحاد وشرك وكفر باللَّـه (العزيز الجبَّار). وهذا ما نبَّهت عليه وحذَّرت منه بيانات الوحي ، منها : 1ـ إِطلاق بيان الحديث القدسي : « ... يا مُـحَّمَّد ... وعزَّتي وجلالي ، لو لقيني جميع خلقي يشكُّونَ فيكَ طرفة عين ، أَو يبغضون صفوتي مِنْ ذُرِّيَّتكَ لأَدخلتهم ناري ولا أُبالي ... » (1) (2). 2ـ بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « إِنَّ حديث آل مُـحمَّد صعب مستصعب ، لا يؤمن به إِلَّا مَلَك مُقَرَّبٌ ، أَو نَبِيٌّ مرسل ، أَو عبد امتحن اللَّـه قلبه للإِيمان ... وإِنَّما الهالك : أَنْ يُحدَّث بشيءٍ منه لا يحتمله فيقول : واللَّـه ، ما كان هذا شيئاً ، والإِنكار هو الكفر »(3). 3ـ بيانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ في وصيَّته لابن عبَّاس الواردة في حقِّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... يا بن عبَّاس إِحذر أَنْ يدخلكَ شَكٌّ فيه؛ فإِنَّ الشَّكَّ في عَلِيٍّ كفر باللّٰـه تعالىٰ » (4). » (3). 4ـ بيان الإِمام الباقر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه ، عن جابر بن يزيد ، قال : «... يا جابر ، حديثنا صعب مستصعب ، أَمرد ، ذكوان ، وعر أَجرد ، لا يحتمله واللَّـه إِلَّا نَبِيٌّ مُرْسَل ، أَو مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، أَو مؤمن مُمتحن ، فإذا ورد عليك يا جابر شيءٌ من أَمرنا فلان له قلبكَ فاحمد اللَّـه ، وإِنْ أَنكرته فردَّه إِلينا أَهْل الْبَيْتِ ، ولا تقل : كيف جاء هذا؟ وكيف كان؟ وكيف هو؟ فإنَّ هذا واللَّـه الشرك باللَّـه العظيم » (5). ودلالتها واضحة . وبالجملة: لعِظَم هول ما أُعطي لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ؛ وعَظِيم خطره يحصل لدىٰ من يطَّلع عليه أَو يُخبر به وإِنْ كان بدليلٍ قطعيٍّ يقينيٍّ توقُّفاً أَو شَكّاً أَو تردُّداً أَو إِلحاداً أَو شركاً أَو كفراً بعضه جليّ ، والآخر خفيّ على دركات غير متناهية ، مشمولة ببيان قوله تعالىٰ : [وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ] (6)، يرجع إِلى مدىٰ تحمُّل قابِليَّات واستعدادات المخلوق . وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار، 18: 397/ح100. اليقين في أُمرة أَمير المؤمنين: 89 ـ 91. (2) يَجْدُرُ الْاِلْتِفَات في المقام إِلى القاعدة المعرفيَّة التَّالية : /الأَدب في باب الاِصطفاء اِنعكاس لحقائق ومقامات إِلٰهيَّة/ هناك قاعدة جارية في أَبواب الْمَعَارِف مُهمَّة جِدّاً ، يَنْبَغِي صَرْف النَّظَر إِليها . لكن غفل عنها الكثير، بل لم يدركوا مغزاها فاِسْتَهَانُوا بها ، وهي : « أَنَّ الآداب في باب الاِصطفاء عبارة عن اِنعكاسات حقائق . كما أَنَّ الفضائل في باب الاِصطفاء ـ أَيضاً ـ الواردة في بيانات الوحي ليست مُجاملات، بل کاشفة عن حقائق ومراتب كمالات ومقامات إِلٰهيَّة ». وعليه : فالآداب بين الباري (جَلَّ ثناؤه) والأَصفياء ، أَو بين نفس الأَصفياء كاشف عن كمالات ومقامات إِلٰهيَّة يتمتَّع بها الأَصفياء . / تعامل أُمّ البنين وأَولادها مع الحسنين عَلَيْهم السَّلاَم/ ومنه يتَّضح : أَنَّ الأَدب الحاصل من أَبي الفضل العبَّاس وإِخوته ووالدتهم أُمّ البنين مع سيِّدا شباب أَهل الجنَّة عَلَيْهم السَّلاَم لدليل على تمتعهم بكمالات ومقامات إِلٰهيَّة . ومن ثَمَّ ذكر علماء المعقول في العلوم العقليَّة : « أَنَّ الآداب انعكاس لهيئات الأَخلاق ». وبعبارة أُخرىٰ : أَنَّ لغة الفضائل ولغة المدح والمديح الواردة في بيانات الوحي : أَحَد مناهج ولغات بيانات الوحي المعرفيَّة ، ومعناها : الُحجِّيَّة ، بخلاف لغة : (الذَّمّ) ، فإِنَّها تعني في بيانات الوحي المعرفيَّة وفي لغة العقل العملي : عدم الحُجِّيَّة . ومنه يتَّضح : ما ورد في كثير من بيانات الوحي المعرفيَّة ، وفي مواطن وموارد عديدة الذَّامَّة والمعاتبة لأَفعال بعض زوجات سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ كما ورد ذلك في سورة التَّحريم ، ومعناها : لغة من لغات المعارف والعقائد الإِلٰهيَّة ـ معلنة ومُثبتة : أَنَّ زوجات سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لا يتمتَّعن بالحُجِّيَّة الإِلٰهيَّة ولا بالاِصطفاء الإِلٰهيّ. وعلى ضدِّه قس المدح والثناء الخاص والصَّادر في بيانات الوحي في حقِّ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ـ كالوارد في سورة الدَّهر ، وسورة الحشر ـ ؛ فإِنَّه ليس كالمدح والثناء البشري ، ولا كالمدح والثناء بمقتضىٰ العادة أَو العرف ، وإِنَّما مدح وثناء إِلٰهيّ ناسوتي وناموسي إِلٰهيّ ، بُيِّنت فيه فضائل أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وكمالاتهم وكراماتهم ومقاماتهم الإِلٰهيَّة بصورة خاصَّة ، ومعناه : تَمتُّع أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بالحُجِّيَّة الإِلٰهيَّة ، وبالاِصطفاء الإِلٰهيّ ، وبوجوب طاعتهم . ولكَ أَن تقول : أَنَّ بيانات الوحي الْمَعْرِفِيَّة تُعَبِّر في جملة موارد عن حقائق المعارف والعقائد الإِلٰهيَّة بلغات خاصَّة عديدة ، فبدل أَنْ يُبيِّن الباري (عَزَّ وَجَلَّ) أَحَد فضائل ومقامات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الإِلٰهيَّة ـ مثلاً ـ بلغة : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ] [النساء: 59]، يُبِيِّنُها بلسانٍ ولغةٍ أُخرىٰ ، كلغة : [وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ] [النجم: 7ـ9]، أَو كلغة : [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا] [الأَحزاب: 33]، وسائر المدح والثَّناء الَّذي لم يخُصَّ الباري تعالىٰ به أَحَداً من هذه الأُمَّة إِلَّا أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . وهذا التَّخصيص وهذه الموازين والحفاوة والكرامة والوجاهة الصَّادرة من سَاحَةِ الْقُدْسِ الْإِلَهِيَّةِ ليست موازین وحفاوة وتكريم وتوجيه بشراً أَو عرفاً أَو عادةً جارية ، وإِنَّما موازين ربوبيَّة وناسوتيَّة وناموسيَّة إِلٰهيَّة قائمة على وفق قاعدة : « ليس بين اللّٰـه (عَزَّ وَجَلَّ) وأَحد قَرَابَة » . وعليه : فحينما يصحر الباري (جلَّ شأنه) بفضائل ويأتي بثناء ومدائح في حقِّ مخلوقٍ فمعناه : اِصطفاءه الالٰهيّ ؛ وحُجِّيَّته ؛ ووجوب طاعته ؛ ولزوم ولايته الالٰهيَّة . نعم ، هناك فارقاً بين لغة بيانات الوحي الُمصرِّحة ، كـ : بیان قوله جلَّ قوله : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ] [النساء: 59]، ولغتها المُعرِّضة ، كـ : بيان قوله عزَّ من قائل : [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا] [الأَحزاب: 33]، فإِنَّ لغة الأُولىٰ لغة عقل نظري ، بخلاف لغة الثانية ؛ فإِنَّها لغة عقل عملي . إِذَنْ : لغة الكرامات والفضائل والمدائح الواردة في بيانات الوحي لغة حُجِّيَّة إِلٰهيَّة ، ولغة معارف وعقيدة إِلٰهيَّة ، وليست (والعياذ باللّٰـه تعالىٰ) لغة شعر أَو نثر، أَو مديح بترنُّم فيه مسحة مداعبات خيال ، ومن ثَمَّ يؤكِّد الباري (جلَّ قدسه) كراراً ومراراً : أَنَّ ما ورد في قرآنه الكريم ليس شعر شاعر وما شاكله ، وإِنَّما هو عبارة عن كشَّاف عظيم للحقائق والواقعيَّات الكونيَّة المهولة الثَّابتة في عوالمها غير المتناهية . فانظر: بيانات الوحي ، منها : بيان قوله عزَّ من قائل : [وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ] [يس: 69]. /برهانٌ وحيانيٌّ عظيمٌ يُثبت حُجِّيَّة واصطفاء الزَّهراء صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْها/ ومنه يتَّضح : برهاناً وحيانيّاً عظيماً على حُجِّيَّة الزَّهراء صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْها ؛ فإِنَّ الباري في قرآنه الكريم رَكَّز عليها في مواطن وموارد عديدة ، منها : 1ـ بیان قوله عزَّ قوله : [فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ] [آل عمران: 61] . 2ـ بیان قوله عزَّ ذكره الوارد في خصوصها وبعلها وبنيها ( صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) : [وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّـهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا] [الإِنسان: 8ـ10]. وعلى هذا قس بيان آية التطهير وسائر بيانات الوحي الواردة في خصوصها وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ؛ فإِنَّها براهين وحيانيَّة ، ولغة من لغات المعارف والعقائد الإِلٰهيَّة ، تُثبت : أَنَّ لفاطمة الزَّهراء صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْها حُجِّيَّة إِلٰهيَّة واِصطفاء إِلٰهيّ . وهذه نُكْتَة مُهمَّة في منظومة معارف وعقائد الوحي الإِلٰهيّ ، يلزم صرف النَّظر إِليها وإِلى هذه اللُّغة والتَّعامل معها . (3) بحار الأَنوار ، 2 : 189/ح21 . (4) المصدر نفسه ، 16 : 320/ح74 . مجالس ابن الشَّيخ : 64 ـ 65 . فضائل شاذان بن جبرئيل : 5ـ7. الروضة : 156. (5) بحار الأَنوار ، 2 : 208/ح102. (6) يوسف : 106